بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

ذاكرة الامكنة :آثار غزة: التاريخ تحت الاحتلال والحصار


آثار غزة: التاريخ تحت الاحتلال والحصار
ربى احمد ابودلو
31-03-2009

غزة... تلك المدينة التي تحوي الحاضر والماضي والمستقبل
غزة ... وامسها كله حضارة ومجد.
فبعد ان داهمها الفراعنة المصريين بعد طرد الهكسوس.
وبعد ان اجتاحها اليهود القدامي.
وبعد جيوش الاسكندر الزاحفة عليها.
وبعد ان اجلي عنها الرومان.
وبعد ان ابعد عنها الصليبيون.
وبعد ان انعتقت من حكم العثمانيين في مطلع القرن العشرين.
وبعد ان تحررت من الانتداب البريطاني
وبعد ان شهد القطاع العديد من المحاولات اليهودية الغاشمة لضرب المدينة
وبعد ان استشهد اعداد كبيرة من المواطنيين
وبعد ان تعرضت مناطق كثيرة للتدمير والخراب
ماذا بعد...فلست باحثاَ يسبر اعماق الاحداث في غزه ليستخرج عبقرية المكان الساحر .
ولست مؤرخا يتعمق في تاريخ المنطقة وليس لي ان اكون لانني لا املك جلد المؤرخين العظيم.
لست ايا من هولاء.. لانني مجرد انسانة راقبت ما يحدث للتراث الأثري العربي و قرات وتذكرت وكتبت ما علمني إياه استاذتي الكبار يوما وما زال بالذاكرة . هذا العلم المفخخ بالاعتزاز بقي يشدني لفلسطين ولغزة.
لتبدأ معها رائعة من روائع الامكنة التي لا نستطيع تجاوزها, والتي تجعلك تختال معها في كل شيء.. كبرياء .. عزة.. شموخ .. صمود.. فهي كل ذلك, مدينة الثأر والنار في سبيل الحرية والخلاص والسلام.
وستبقى غزة بعد غزاتها مثلما بقيت مكانها عبر الاف السنين.
لكن غزاتها الجدد كانت لهم مخططاتهم واساليبهم الخاصة وادعاءاتهم التاريخية والسياسية .
فلنتذكر ثيودور هيرتسل مؤسس الحركة الصهيونية حين قال سوف اقول لقيصر المانيا " ان فلسطين ارض بلا شعب وينبغي ان تعطى لشعب بدون ارض".
فبعد سنوات طويلة من الاحتلال الإسرائيلي حرمت فيها مدينة غزة من هويتها التاريخية، بدأت المدينة تستعيد ماضيها المجيد، ليعود ويندثر ثانية, فقطاع غزة يشكل أهمية كبيرة منذ القدم, لوقوعها على أبرز الطرق التجارية في العالم القديم, تلك التي تبدأ في حضرموت واليمن, ثم تسير شمالاً إلى مكة والمدينة والبتراء, ومن هناك إلى فرعين, ينتهي أحدهما في غزة على البحر المتوسط ويمتد الثاني شمالاً إلى دمشق وتدمر.
فلقد كانت غزة القديمة يحيط بها سور عظيم له عدة أبواب من جهاته الأربعة، وكان أهمها باب البحر أو باب "ميماس" نسبة لمينائها غرباً، وباب "عسقلان" شمالاً و"باب الخليل" شرقاً، وأخيراً باب "دير الروم" أو "الداروم" جنوباً، وقد اعترى هذه التسميات الكثير من التبدل وفقاً لاختلاف وتبدل الزمن والإمبراطوريات، وكانت هذه الأبواب حصينة جدا، مما جعلها مستعصية على أعدائها. وجميع هذه العناصر القوية جعلت أجدادنا من العرب الكنعانيين الذين أسسوها قرابة الألف الثالثة قبل الميلاد يسمونها "غزة".
كان يطلق عليها في عهد الفراعنة (جزاتي) أطلق عليها الفرس اسم (هازاتو) أما العرب فقد أطلقو عليها اسم (غزة هاشم) نسبة إلى جد الرسول صلى الله عليه وسلَّم. وهي بلدة كنعانية عربية من أقدم مدن العالم
هذا ما جعلها تتميز بمكانة إستراتيجية وعسكرية كبيرة، فقد كانت حلقة الاتصال بين مصر والشام, وكان الاستيلاء على غزة يعني السيطرة على طرق الحرب والتجارة بين آسيا وإفريقيا، وعلى هذه الطرق تأسست القرى والمدن عبر العصور المختلفة والفترات التاريخية المتعاقبة , ومن هذه المواقع الاثرية ما تم اجراء حفريات بها ، والعديد منها ما زال ينتظر حفريات ومسوحات ودراسات الآثاريين المهتمين.... فماذا حدث للتراث الثقافي الأثري في قطاع غزة ؟ هل بقي من هذه المواقع بقية؟
آثار هامة تم اكتشافها في قطاع غزة ولم يتم الاهتمام بها فقد تم التوقف لسنوات عديدة فرضتها الانتفاضة والاحتلال إحتلال إسرائيل للقطاع عام 1967م والتراث الأثري يتعرض إمّا للنهب والسرقة أو للتدمير. او مخالفة كل القوانين والتشريعات الدولية بإجرائهم مسوحات وحفريات أثرية داخل القطاع.
إن المشاكل التي يعانيها قطاع غزة في الوقت الراهن أنست الكثير تاريخه الطويل و ما يزخر به من أثار. فهذه المواقع تشكل جزءًا من الهوية الفلسطينية والعربية. وجعلتهم غير مدركين لعراقة تاريخ المنطقة. إنهم لا يعلمون أن غزة سُكت عملتها الخاصة في القرن الرابع قبل الميلاد.
لقد مرت بالقطاع حضارات شتى بدءا من مصر و حضارة بلاد الرافدين
فالإغريقية والرومانية ثم الفارسية والعربية. حضارات تداخلت وتمازجت. وكان ذات يوم معبرا منتعشا للثقافات المتعددة.
وأثبتت التنقيبات الاثرية والأبحاث التاريخية والكتابات القديمة بأن غزة تعد من أقدم مدن العالم.علما بان غزة لم تحظ بمسح اثري جاد قبل حفريات الاعوام العشرة الماضية فمنطقة غزة ضمت ثلاث مدن مستقلة تَجمّعتْ اليوم في البلدةِ الحديثةِ المدينة الكنعانية لغزة مدينة العصر البرونزي القديم(موقع البلاخية الأثري المقام في داخل ميناء غزة القديم) والمدينة اليونانية الكلاسيكية (المشتل حاليا) والمرفا الروماني (غزة البحرية) وبمرور الوقت وبنمو المُدن الثلاث اندَمجوا؛ ولكنهم إحتفظَوا بهويتِهم الخاصةِ
وكانت لكل مدينة من هذه المدن جدرانها التي تحميها حيث يبين كيف طور الغزيون الانظمة الدفاعية والحياة الحضرية عندما استخدموا النماذج الاغريقية
ففي حوالي (3500- 3100 قبل الميلاد) و خلال العصر البرونزي القديم الأول أسست مدينة غزة على يد الفراعنة المصريين، وذلك عندما شيدوا قلعة على الطريق التجاري الواصل بين مصر في الغرب وبلاد الشام في الشرق
خلال العصر البرونزي القديم الأول ويمكن رؤية بقايا هذه القلعة في موقع تل السكن الواقع على أطراف مدينة غزة الحالية .
ولم تعد لغزة أهمية كبرى خلال نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. لكن غزة عادت إلى الظهور من جديد عندما دخل الهكسوس الى فلسطين خلال العصر البرونزي المتوسط (حوالي 2000-1550 قبل الميلاد) وقاموا باحتلال اكبر مدنها حيث تمثلت اثارهم في موقع تل العجول، الذي يقع على بعد حوالي 6 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة غزة الحالية. ويعدّ هذا الموقع من أهم المدن الكنعانية التي سُكنت خلال العصور البرونزية .
أما آثار العصر الحديدي، فقد وجد بعض الآثار العمائرية والمخلفات الثقافية المادية من القرن العاشر قبل الميلاد،. كذلك عثر على أواني فخارية فنيقية وهلنستية ورومانية وبيزنطية وإسلامية في تل العجول.
وفي موقع دير البلح عثر على العديد من المخلفات الاثرية التي أُورِّخ أكثرها إلى القرنين الرابع عشر، والثالث عشر قبل الميلاد. خلال الحفريات أعوام 1971- 1972م من قبل بعثة أثرية إسرائيلية أثناء احتلال قطاع غزة بعد حرب عام 1967م. و مصير هذه المكتشفات الأثرية ما زال مجهولا ..
اخطار كثيرة دمرت اثار غزة ففي عام 2004 مرت جنازير الدبابات الاسرائيلية على الارضية الفسيفسائية البيزنطية في جباليا والحقت ضرراً كبيراً به. .‏‏
وفي مخيم اللاجئين الفلسطينيين قريب من غزة راحوا يختبرون الطلاء الابيض لجدار بيت في المخيم في بقعة رملية محاطة بمسجد الشهداء حيث تبدو هناك شبكة من النتوءات المزخرفة المتمايزة وجدران على امتداد خمسة هكتارات تقريبا تستدعي بحق التنقيب عنها, لقد افاد هذا الموقع بمعلومات تسمح باعادة قراءة وتشكيل جديد لتاريخ غزة خلال العهد الفارسي والروماني.مدير الحفرية جان باتيست هومبير يقول: كانت مدينة اثيديون اخر المدن الكلاسيكية الكبرى في فلسطين وغالباً ماذكرت في النصوص الاغريقية انها مدينة اثيديون(المشتل حاليا) وفي الحقيقة لم يتم التنقيب عنها من قبل الفلسطينيين ولم نكن لنتعرف موقعها تماما.‏‏
ويعود تاريخها حسب المصدر (خبراء سويسريين من مركز فيكتوريا وفرنسيين من مركز الدراسات بالتعاون مع الفلسطينيين) الى القرن الاول قبل الميلاد وهي مؤلفة من سور يمتد طوله عشرات الامتار ومن منزل هيلنستي ومنزل روماني وعلى مسافة صغيرة منه هناك شارع مرصوف وفي ربيع 2005 اكتشفوا في البيت الهيلنستي جدران زينت برسوم جدارية مائية تمثل مساحات موحدة مركبة من الاحمر والاصفر والاسود وتحيط بها اطارات بيضاء تبدو في بعض الامكنة وكأنها مرمر, كما كشفوا عن قاعة حمام مع مقعد من الحجر للجلوس عليها أثناء الاستحمام وحائط صغير كانت توضع عليه جرار الماء وفيه فتحات لتصريف المياه
هذه الاكتشافات الأخيرة هي تتمة لاكتشافات سابقة وضعت خطواتها الأولى عام 1995 ضمن قطاع غزة وبعد ثلاثمائة متر تقريباً على الشاطىء تحقق علماء الآثار من أسوار يعود قدمها الى القرن الثامن قبل الميلاد من ضمنها منازل ومخازن تدل على أنها كانت مرفأ فارسياً, كما وجدت آلاف من قطع الخزف المطلية بالأسود تعود الى أصل إغريقي.‏‏
يقول هومبير باعجاب:‏‏
(لقد كان منزلا كبيرا مع رواق يطل على باحة داخلية وصالة استقبال مطلية بالأصفر والأسود يبلغ طولها تسعة أمتار انه شاهد رائع على حضارة الشرق).‏‏
ويضيف (أما البيت الروماني فلم يكن أقل أهمية بل انه أسطوري ولدينا مخطط كامل لبيت ارستقراطي من العهد الروماني في القرن الأول).‏‏
عندما استولت الأسر المالكة من الفرس على مصر أتيحت لهم الفرصة لأول مرة للانفتاح على المتوسط إلا أن سيطرتهم تميزت بالتسامح والتنظيم إذ دعوا اليونانيين والقبارصة والمصريين الى تعزيز التبادل فيما بينهم لكن بقي الطابع الهيلنستي للبلاد مسيطراً والمنازل الاغريقية والرومانية التي نراها اليوم شاهدة على ثقافة تلك العهود.‏‏
ان موقع اثيديون ليس الوحيد في قطاع غزة بل وجد أن ارثها غني بآثار لا يستهان بها ففي جباليا شمال غزة وجدنا بناء بيزنطياً فرشت أرضه بالموزاييك برسوم على شكل حيوانات وفي النصيرات جنوب غزة برزت من بين الرمال مجموعة أخرى من الموزاييك الجميل التي تبين أنها كانت ديراً للرهبان لموقع القديسة هيلاريون الذي يعتبر مؤسس حياة الرهبنة في فلسطين كما وجد جنوب غزة آثار تؤكد على وجود حياة بشرية هامة منذ 3300 عام قبل الميلاد.‏‏
فستبقى غزة معبرا منتعشا للثقافات المتعددة في سبيل الحرية والسلام, وستبقى غزة العربية مزروعة هنا في مكانها عبر الاف السنين منارة اشعاع على افاق الدنيا وستبقى دوما هي الاصل.
ولن ننسى ان سكان فلسطين وغزة منذ العبيديين، والغسوليين، والموريين، والكنعانيين، والمصريين، والهكسوس، والحثيين، والبابليين، والآشوريين، والفرس، واليونان، والرومان، كل هؤلاء قد تركوا في فلسطين آثاراً تدل عليهم إلا اليهود، لم يستطيعوا العثور على أي أثر يؤكد أطروحاتهم في وجود أناس يسمون (إسرائيليين أو عبرانيين)
وبعد هذا الاستعراض لاثار غزة والمخلفات الاثرية فيها, وبعد التدمير والتخريب الذي حصل لمعظم المواقع الاثرية، وبعد اعمال والنهب للممتلكات الاثرية والتراثية نرى أن إسرائيل لم تلتفت للاتفاقيات الصادرة عن المؤسسات الدولية التي تمنع إجراء الحفريات الأثرية من قبل الجهات المحتلة في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وتمنع مصادرة الآثار أو تدميرها في حالة النزاعات المسلحة والحروب وهذه الاثار تمثل جزءًا من التراث العالمي أيضاً.

واخيرا
كيف ان هذا القطاع الساحلي الذي يتألف من خمس محافظات، هي شمال غزة، وغزة، ودير البلح، وخان يونس، ورفح. ويضم ثمانية مخيمات، وهي: مخيم جباليا، والشاطئ، والبريج، والنصيرات، والشابورة، ودير البلح، وخانيونس، والمغازي. ومن أكبر المدن في القطاع، مدينة غزة، التي يفوق عدد سكانها 400 ألف نسمة الغارق في الفقر والعزلة والخاضع لحكم حركة "حماس" كان ذات يوم معبرا منتعشا للثقافات المتعددة.
وكيف يمكن للتاريخ الثقافي المتنوع لغزة أن يصبح نموذجا للحاضر.
وكيف يمكن التركيز على أهمية دعم الحوار الثقافي، بدل البحث عن سبب لصراع الحضارات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق